الرئيس التنفيذي لشركة هواوي الصينية يكشف عن مستقبل الشركة
في مايو 2019، أجري رين شينغ فاي، الرئيس التنفيذي لشركة هواوي الصينية، مقابلة مع مجموعة من وسائل الإعلام الصينية حول مستقبل شركته في ضوء العقوبات الأمريكية غير المسبوقة التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب. كانت هذه العقوبات محاولة لتدمير هواوي والقضاء عليها. في هذا اللقاء، طرح رين شينغ فاي موضوعًا مهمًا، حيث روى للصحفيين الصينيين قصتين من الحرب العالمية الثانية، واحدة عن ألمانيا وأخرى عن اليابان. في القصة الأولى، رفضت ألمانيا الاستسلام رغم الضربات الجوية الكثيفة التي وجهها الحلفاء، مما أدى إلى تدمير المدن الألمانية بالكامل. وفي الجهة المقابلة، هددت أمريكا اليابان بالقصف المكثف حتى استسلمت في النهاية. لكن في الحالتين، رغم الدمار الهائل، تبنى البلدان فكرة أنه طالما أن الشعب موجود، فإن الأمل في إعادة بناء الأمة يبقى قائمًا. وهذا بالفعل ما حدث، حيث تمكنت ألمانيا من إعادة بناء اقتصادها بسرعة، وكذلك اليابان التي تعافت أيضًا بشكل سريع.
وبناءً على هذه القصص، استنتج رين شينغ فاي أن أهم شيء بالنسبة لهواوي هو الحفاظ على "المواهب البشرية" التي تملكها، لأنهم كانوا الضمانة الحقيقية لصمود الشركة في وجه العقوبات الغربية والتهديدات التي كانت تحاول إيقافها. بالنسبة له، كان هؤلاء الأشخاص هم القوة الحقيقية التي ستساعد هواوي على النهوض من جديد حتى إذا خسرت كل شيء آخر. ورغم التوقعات السلبية التي كانت تشير إلى انهيار الشركة، أثبتت هواوي أنها قادرة على العودة والتنافس على المستوى العالمي في العديد من القطاعات، بما في ذلك قطاع السيارات الكهربائية.
في نوفمبر 2024، انتشرت رسالة بريد إلكتروني مسربة من لي زيكي، نائب الرئيس التنفيذي لشركة BYD الصينية العملاقة في قطاع السيارات الكهربائية، حيث كان يطلب من أحد الموردين خفض الأسعار بنسبة 10% استعدادًا للمنافسة في سوق السيارات الكهربائية. وفقًا لهذه الرسالة، كان زيكي يشير إلى أن عام 2025 سيكون "المعركة النهائية" بين كبار اللاعبين في هذا السوق، مثل تسلا وBYD، في صراع شرس من أجل حصة السوق. والصراع في الصين أصبح شديدًا، حيث يوجد أكثر من 200 شركة تعمل في تصنيع السيارات الكهربائية، والطاقة الإنتاجية لهذه الشركات تتجاوز بكثير حجم السوق الصيني. لذلك، تخوض هذه الشركات حربًا شرسة لتخفيض الأسعار وجذب المزيد من العملاء، حتى وإن كان ذلك يعني بيع السيارات بخسارة.
أما بالنسبة لهواوي، فهي ليست جزءًا مباشرًا من هذه "المعركة" الكبرى بين الشركات المصنعة للسيارات الكهربائية، ولكنها تدخل السوق من زاوية مختلفة تمامًا. هواوي لا تصنع السيارات، بل تقدم حلولًا تكنولوجية وقطع غيار للسيارات الذكية. وبالتالي، فإنها لا تحتاج إلى التورط في صراع الأسعار القاسي بين الشركات الكبرى. هواوي دخلت سوق السيارات منذ أكثر من عشر سنوات، وفي عام 2012 أسست وحدة خاصة بها للبحث في "إنترنت الأشياء" الخاص بالمركبات، بهدف تطوير تطبيقات وخدمات لقطاع السيارات.
لكن في عام 2019، وفي معرض شنغهاي للسيارات، أعلنت هواوي عن نيتها أن تكون "موردًا تكنولوجيًا" لشركات السيارات، وليس صانعًا للسيارات نفسها. هذا التوجه أكده رين شينغ فاي في نفس العام عندما أعلن أن هواوي لن تدخل صناعة السيارات بشكل تقليدي. ولكن بدلاً من ذلك، كانت الشركة تخطط لتزويد شركات السيارات بحلول تكنولوجية مبتكرة مثل الأنظمة الذكية للمركبات، وأنظمة القيادة الذاتية، والرقائق الإلكترونية، وغيرها من الأجهزة التي تدعم صناعة السيارات الكهربائية.
وفي الوقت نفسه، كانت هواوي تحاول الاستفادة من خبراتها في مجالات الاتصالات، والهواتف الذكية، وتصميم الرقائق الإلكترونية، لدخول سوق السيارات الكهربائية عبر تزويد الشركات المصنعة بمكونات تكنولوجية مبتكرة. كان هدفها أن تصبح "بوش" الصينية، في إشارة إلى شركة "بوش" الألمانية الشهيرة، والتي تعد واحدة من أكبر شركات تصنيع قطع غيار السيارات في العالم.
في هذا السياق، كانت هواوي تخطط للحصول على نصيب كبير من سوق السيارات الكهربائية، من خلال تطوير شراكات مع شركات تصنيع السيارات الصينية الكبرى مثل شيري، سيرس، بايك، وجاك. في عام 2024، تمكنت المشاريع المشتركة لهواوي مع هذه الشركات من بيع أكثر من 350,000 سيارة كهربائية. لكن المشروع الأكثر نجاحًا كان مع شركة سيرس الصينية، حيث أطلقت السيارة "إي تو إم 7" في سبتمبر 2023، وحققت مبيعات ضخمة تجاوزت 190,000 سيارة. هذا النجاح يعود جزئيًا إلى القوة التكنولوجية التي تقدمها هواوي في السيارة، مثل نظام القيادة الذكية.
شركات السيارات الصينية الكبرى، بما في ذلك BYD، التي تُعد أكبر بائع للسيارات الكهربائية في العالم، بدأت تعتمد بشكل متزايد على أنظمة هواوي التكنولوجية. على سبيل المثال، قامت BYD بتضمين نظام القيادة الذكي من هواوي في سياراتها الفاخرة "فانغ تشينغ باو"، بينما استعانت شركات عالمية مثل أودي وتويوتا ونيسان أيضًا بخدمات هواوي لتحسين منتجاتها التكنولوجية.
حاليًا، يظل التحدي الأكبر لهواوي هو إدارة مشاريعها المشتركة مع شركات السيارات الكبرى، بينما تتجنب التورط في المنافسة المباشرة مع هذه الشركات. وبالنظر إلى الوضع الراهن، يمكن القول إن هواوي قد نجحت في إنشاء مكانة قوية لها في سوق السيارات الكهربائية، دون أن تتعرض للمخاطر الكبيرة المترتبة على خوض صراع الأسعار أو الدخول في صناعة السيارات بشكل تقليدي.
في عام 2024، شهدت هواوي نموًا ملحوظًا في أرباحها بنسبة 18%، لتصل إلى 54.9 مليار يوان (حوالي 7.7 مليار دولار). هذا النمو كان نتيجة للتحسن في مبيعات الهواتف الذكية، بالإضافة إلى زيادة الطلب على حلولها التكنولوجية في صناعة السيارات الكهربائية. ولكن هذا النجاح لم يخلُ من تداعيات سياسية، حيث لا يزال هناك ضغط كبير من الولايات المتحدة على الشركة، خاصةً بعد محاولة ترامب في 2019 تدمير هواوي. ورغم أن هذه المحاولة لم تنجح في القضاء على الشركة، إلا أن التوترات السياسية قد تستمر.
، رغم أن هواوي نجحت في التغلب على العديد من التحديات، بما في ذلك العقوبات الأمريكية، إلا أن مصيرها في المستقبل القريب سيظل متعلقًا بالتحولات السياسية والاقتصادية على الساحة الدولية.